بعض إعلامنا ليس على مستوى الحدث، ليس على مستوى الثورة، بل أزعم أنه يعمل ضد الصالح العام بالمبالغة فى تصوير المشاكل والقضايا بل وأحيانا فى اختلاقها. والخطر الأكبر يأتى من البرامج الليلية. كلما رأيت مذيعا أو مذيعة بدأ حلقته بالنظر إلينا ثم يبدأ فى الحديث مُنظَرا لما يحدث فى مصر، أقول: «ربنا يستر».
لماذا؟
أولا: الكثير من مذيعينا ناس أفاضل، لكنهم يتكلمون فى موضوعات لا يجمعون فيها بين الرسوخ والإحاطة، ولكنهم يتحدثون وكأنهم كذلك. يتحدثون بآراء قطعية، هى بين أهل الاختصاص أمور خلافية للغاية. ولكنهم لأنهم لا يعرفون من القصة إلا بعضها، فيتصورون أن هذا البعض هو كل الحكاية وأن واجبهم يملى عليهم أن يحكوا كل ما يعرفون، مع أن كل ما يعرفون قد لا يزيد عن اليسير من الحقيقة.
ثانيا: الكثير من مذيعينا ناس أفاضل، لكنهم فى سباق محموم من أجل لفت الأنظار إلى برامجهم وبعضهم يريد أن «يجيب النتيجة من الكنترول» بدلا من أن يسأل أهل العلم إن كان لا يعلم فيثير البلبلة فى الوقت، الذى ينبغى أن يكون فيه مصدر للمعلومات السليمة. البلد بالفعل ملئ بالشائعات والمعلومات غير الموثقة وينبغى أن يكون دور الإعلام دحض الشائعات وليس الترويج لها أو اختراع بعض تفصيلاتها.
ثالثا: الكثير من مذيعينا ناس أفاضل، لكن عندهم السؤال أهم من الإجابة، فيجدون من الصعب عليهم أن يتركوا للضيف (الذى هو الهدف الأساسى للحلقة) أن يكمل كلامه أو أن يوضح رؤيته فتتم مقاطعته بشكل متكرر بأسئلة طويلة وكأن الإجابة غير مهمة، المهم هو أن السؤال كان «حلو». لارى كينج مقدم البرامج التليفزيونية الشهير كانت له مقولة جيدة: إن أفضل مقابلة تليفزيونية هى التى يتدخل فيها المذيع بأسئلة قليلة جديدة وقصيرة جدا، لا تزيد على بضع كلمات.
رابعا، الكثير من مذيعينا ناس أفاضل، لكنهم يقررون أن يقوموا بدور المدافع عن مطالب الغلابة (عمال، فلاحين، موظفين)، ولكنهم بسبب غياب الخلفية الاقتصادية قد يضرونهم من حيث يدعون أنه يريدون أن ينفعوهم، فيبالغون فى الدفاع عن مطالبهم (التى هى فعلا مشروعة)، ولكن البلد سينهار اقتصاديا إن تمت الاستجابة لها كلها الآن، دون الاستعانة بالمختصين لتوضيح مخاطر أن تتحول مصر إلى ساحة إلى مطالب فئوية متعارضة بهذه الطريقة.
خامسا، ليسامحنى من قد يجد فى كلامى بعض الحدة. لكن حجم البلبلة ودرجة التشكك الموجودة عند من يتصلون بى مشفوعة بما يشاهدونه وأشاهده معهم على هذه الفضائية أو تلك يؤكد أن بعض الإعلام أصبح عبئا على مصر والمصريين فى حين أنه من المفروض أن يكون أداة توعية وترشيد وتهدئة فى وقت الناس فتحت عيونها ولا ترى إلا الظلام. النور موجود لكن بعض الإعلاميين يرون أنه «ما بياكلش عيش».
علشان خاطر ربنا، نلتزم المهنية لمدة ثلاثة أو أربعة شهور فقط.