أنصار القوى المحافظة دينيا أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من أن يكونوا الأغلبية المطلقة فى مجلس الشعب القادم. ويطلب من الأول فى تمثيل الهيئة الناخبة ما لا يطلب من غيره. لذا أرجو أن تتسع الآذان والعقول لما سأقول.
أولا، تربية النفس على التواضع لله المنان والتذكرة بأن الله قد يعطى وهو يمنع، وقد يمنع وهو يعطى، وقد تأتى العطايا على ظهور البلايا وقد تأتى البلايا على ظهور العطايا. وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
ثانيا، تدريب العقل على احترام إرادة الناخب الذى وضع فى أعناقكم مهمة ثقيلة وهى إصلاح ما فسد وإقامة ما تهدم وإنجاح ما فشل. والتيقن أن هذا الناخب لم يعط صوته لمشايخ أو دعاة وإنما لخادمين عموميين يقدمون الصالح العام للوطن على المصلحة الخاصة للشخص أو الجماعة أو الحزب. والمبالغة فى التعويل على أن الناس سيعطون أصواتهم «للناس بتوع ربنا» فى كل انتخابات تصلح كإجابة أولية وليست نهائية، الناس تتوقع إرادة رشيدة لموارد الدولة وقدرة جيدة على التفاعل مع احتياجاتهم وحسن استيعاب للبيئة الإقليمية والدولية التى نعيش فيها بلا مصادمات أو صدمات تكون خسائرها أكثر من عوائدها.
ثالثا، الحرية التى أتت بالقوى المحافظة دينيا إلى مقاعد البرلمان أصبحت قيمة عظمى فى المجتمع المعاصر سواء فى مصر أو خارج مصر وأول متطلبات هذه الحرية، وقطعا هذا ليس آخرها، أن يكون واضحا أن التدخل فى شئون الناس الخاصة تحت أى مسمى هو خروج على ما هو صحيح عقلا وما هو صالح زمانا. إن المصريين الذين رووا شجرة الحرية بدمائهم مستعدون لأن يفعلوا نفس الشيء مرات ومرات. لذا لا تجعلوا من فكركم ورؤيتكم وكأنها مرادفة لصحيح الدين أو صالح الوطن بالمطلق فى حين أنها ليست أكثر من رؤية لها ما يميزها ويعيبها ما يعيبها.
رابعا، التوافق، التوافق، التوافق. مصر أكبر من أى فصيل أو تيار. وأول مؤشرات نجاح الفائزين ألا يتصرفوا كمحتكرين وإنما أن يتصرفوا كشركاء لهم نصيب ولغيرهم نصيب فى إدارة الوطن. وما كان مقبولا منكم فى الماضى من رفض المبادئ الاسترشادية للدستور، قد يكون منطقيا النظر فيه الآن كبادرة توافق بعد أن أنزلكم الناس منزلة القيادة.
خامسا، ليجلس العقلاء ليتدارسوا «ماذا نريد أن يقول عنا الناس بعد عام من الآن؟» هل كنا نواة صلبة للجماعة الوطنية أم كنا أحد أسباب انفجارها وتشتتها؟ هل ترجمنا أهداف ثورة يناير إلى دستور ديمقراطى مدنى عصرى متقدم يحترم الحقوق والحريات ويتوافق مع الشرعية والشريعة أم نحن من أضعنا الفرصة بأن قدمنا دليلا على أن المصريين أهل بداوة بعيدون عن التحضر والتمدن؟ هل نحن من أحسنا إدارة مرافق الدولة أم نحن من استنزفها؟ وهكذا.
إن الغلو فى المواقف والتصريحات والمبالغة فى تقدير الذات تخلق مناخا استقطابيا سيكون الخاسر منه الجميع بلا استثناء بالذات فى هذه الفترة التأسيسية لمصر ما بعد مبارك