فهمي هويدي
أحمل رسالة لا تسر الخاطر من المصريين الذين لقيتهم أثناء زيارة سريعة لدولة الإمارات العربية. ذهبت مدعوا من مؤسسة الشارقة للإعلام لحضور منتدى الاتصال الحكومى، لكنى وجدت بانتظارى أعدادا من المصريين الذين أرادوا أن يبلغوا كل من يهمه الأمر فى مصر بأنهم يعيشون الآن «أسوأ أيامهم فى الغربة»، على حد تعبيرهم. ولاحظت أن مضمون الرسالة تكرر على مسامعى فى الشارقة وفى دبى وفى أبوظبى. ومن التفاصيل التى ذكرت أمامى أدركت أن الأغلبية تستشعر حالة من القلق العميق. قلق على الرزق وقلق على الأهل وقلق على الوطن.
قالوا: إذا كنت مصريا فأنت واحد من اثنين إما غير مرغوب فيك أو مشتبه. والأول يحتمل على مضض حتى يتوفر بديل عنه. والثانى يضيق عليه ويتم التخلص منه فى أول فرصة سانحة.
طلبت إيضاحا فقيل لى إن تعيين المصريين بالإمارات موقوف فى الوظائف العامة وتأشيرات الزيارة محظورة ونقل الكفالات ممنوع وتجديد العقود أو الإقامات لا يتم إلا بعد المرور على مصفاة الأمن. ولأن الأجهزة الأمنية فى أقطارنا تعتبر أن المواطن متهم إلى أن تثبت العكس. فإن دولة الإمارات ليست استثناء.
لذلك فإن عملية التجديد تستغرق وقتا طويلا للتحرى والتثبت. وعادة ما تتم بعد فوات الأوان. وكانت نتيجة هذه الإجراءات أنه تم خلال العام الماضى ترحيل وإنهاء عقود نحو 35 ألف مواطن مصرى مع أسرهم بطبيعة الحال، عما بأنه ليس لأى واحد منهم نشاط سياسى. وقيل لى إن ثمة اتجاها للتصريح بإقامة الازواج دون الزوجات. وهى صيغة مبتكرة «لتطفيش» الأزواج وإجبارهم على ترك البلد والعودة إلى وطنهم، بحيث يتم تقليص وجود المصريين (عددهم الآن حوالى 300 ألف) إلى الحد الأدنى الممكن.
هذا الوضع جديد تماما على دولة الإمارات، إذ لم تظهر ملامحه إلا بعد ثورة 25 يناير. ورغم أنه بات معلوما للجميع أن أغلب دول الخليج استقبلت حدث الثورة المصرية بدرجات متفاوتة من الامتعاض والاستياء، إلا أن هذا الموقف انعكس بصورة حادة على بلدين فيما أعلم. هما دولة الإمارات العربية والمملكة السعودية. ولست على إحاطة بحجم الضغوط التى يواجهها المصريون فى السعودية، وإن كان الضغط الاقتصادى واضحا من جانبها. إلا أن الوضع يبدو أكثر حدة فى دولة الإمارات، التى مارست ضغوطها فى أكثر من اتجاه، وبعضها تحول إلى عقاب جماعى بحق المصريين هناك على النحو الذى سبقت الإشارة إليه.
لا تزال ذاكرة المخضرمين من المصريين الذين عملوا بدولة الإمارات حافلة بالانطباعات الإيجابية عن الفترة التى سبقت قيام الثورة، خصوصا طوال الفترة التى تولى فيها الشيخ زايد بن سلطان رئاسة الدولة، إلا أنه ليست معروفة على وجه الدقة الظروف التى أدت إلى ذلك التحول الذى أشاع حالة من القلق بين المصريين هناك خصوصا بعد مضاعفة الإجراءات الأمنية بشكل ملحوظ. ولم يكن ذلك وحده المحيزّ فى الأمر، لأن الملاحظ أن الموقف الرسمى المصرى لم يول الأمر حقه من الاهتمام، فهو إما ملتزم بالصمت ومتجاهل لما يجرى، وإما أنه ساع إلى التهدئة التى تصل إلى حد نفى انزال العقاب الجماعى بالمصريين واعتبار أن الإجراءات التى اتخذت وقعت بحق أعداد محدودة ولا تشكل ظاهرة عامة. وهو ما أرجو أن يكون صحيحا. لذلك فإننى أدعو فقط فى الوقت الراهن إلى تحرى الحقيقة والتعرف على حجم الظاهرة ودوافعها. وهو أمر أمنى أن يدرج ضمن أهداف الجولة الخليجية التى يفترض أن يقوم بها ممثلون فى الخارجية المصرية ولجنة الشئون العربية بمجلس اشعب خلال شهر مارس الحالى.
إذا كان القلق على الرزق يحتل الأولوية بالنسبة للمصريين فى الإمارات، إلا أن الذين التقيتهم تحدثوا أيضا عن قلقهم على أهليهم فى مصر، خصوصا فى ظل التقارير والبرامج التليفزيونية التى أسهبت وبالغت كثيرا فى تصوير الانفلات الأمنى، وكأن فى مصر «بلطجى» لكل مواطن وعصابة ولخطف أبناء الأثرياء فى كل محافظة. فى هذا الصدد حدثنى كثيرون عن حلقة فى برنامج تليفزيونى للزميل وائل الإبراشى أثارت الموضوع وملأت المصريين هناك بالخوف والجزع. وبسبب هذه الانطباعات فإن أكثر الذين لقيتهم قرروا قضاء عطلة الصيف حيث هم، معتبرين أن فى النزول إلى القاهرة مغامرة ومجازفة ليسوا مضطرين إليها. الأمر الذى دعانى إلى القول إننا أصبحنا بحاجة إلى تشجيع المصريين لقضاء عطلاتهم فى بلدهم، وأن هذه المهمة ينبغى أن تحتل أولوية على الجهد الذى يبذل لجذب السياح الأجانب.
أما قلق الجميع على الوطن فهو على كل لسان، حتى إن السؤال إلى أين مصر ذاهبة بات يسبق المصافحة وإلقاء السلام. وكان ردى على من سألنى أن مصر تتقدم ببطء، وأن «جراحة» إسقاط النظام كان لابد لها من فترة نقاهة قبل أن يتم التعافى. ونحن الآن نمر بتلك الفترة التى نرجو ألا تطول.