الرسالة ليست موجهة إلى مرشد الإخوان وحده، ولكنها مبعوثة إلى الكافة، خلاصتها أن صفحة جهاز أمن الدولة لم تطو بعد، وأن يد فلول الجهاز عصية على القطع، كما أنها مازالت طويلة وقادرة على الوصول إلى البيوت وغرف النوم والأوراق الخاصة.
القصة نشرتها الصحف التى صدرت أمس، وخلاصتها أن مرشد الإخوان الدكتور محمد بديع عاد من القاهرة إلى بيته فى بنى سويف، فاكتشف أن مجهولين اقتحموه فى غيابه. وقاموا بسرقة ما لديه من أوراق ومستندات وأقراص مدمجة وفلاشة، كما أنهم عبثوا بمحتويات المنزل، إمعانا فى إيصال الرسالة. ومن التفاصيل يلاحظ المرء ما يلى:
●أن المنزل تم اقتحامه دون عنف. فلم يكسر باب أو نافذة، الأمر الذى يعنى أن الذين دخلوا إليه استخدموا تقنية عالية. لا تتوافر لدى اللصوص العاديين، ويرجح أنها من التقنيات المعقدة التى تستخدمها الأجهزة الأمنية.
● إن الذين دخلوا إلى المنزل المكون من طابقين يعرفون خريطته جيدا، بما يعنى أنهم ممن دخلوا إليه من قبل، ولأنه تعرض للتفتيش أكثر من مرة، فقد كان من اليسير توجيه الاتهام إلى عناصر أمن الدولة فى المسئولية عن الاقتحام. إذ هى من راقب غيابه عن البيت ثم دخلت إليه وهى مطمئنة. ووصلت إلى أوراقه بسهولة، وأرادت من خلال العبث بمحتوياته أن تترك توقيعها على ما جرى.
● الأمر الثالث المهم للغاية أن الذين اقتحموا البيت أرادوا توصيل الرسالة من خلال سرقة «نظيفة»، فلم تمتد أيديهم إلى شىء من محتوياته، التى كان بوسعهم أن يحملوا معهم بعضا منها. إن شئت فقل إنهم أرادوها «زيارة عمل» مما اعتادوا القيام به فى الماضى، حتى لا تكون هناك أى شبهة التباس تعطى انطباعا بأنها كانت جريمة سرقة.
هو إذن سطو سياسى، الدلالة فيه أهم وأخطر من الواقعة. وإذ أشرت إلى مضمون الرسالة فى الواقع التى أرادت إبلاغنا بأن الدنيا لم تتغير كما قد نظن، وأن «الفلول» مازالت مفتوحة الأعين وقادرة على العمل، وإذا كانت المسميات قد اختلفت فإن الوظيفة لم تختلف. (ملحوظة: الفلول فى المعاجم العربية هم المهزومون والمنكسرون، ومفردها فل، وكانت العرب تقول فل السيف بمعنى انكسر طرفه، والمفلول هو المنكسر).
هذا الذى نقوله يظل من قبيل الترجيحات التى تشى بها القرائن المتوافرة. ورغم أن مرشد الإخوان اتهم عددا من ضباط أمن الدولة فى محافظة بنى سويف، ونشرت الصحف أسماءهم، فإننا ونحن نرجح نسبة الواقعة إلى عناصر الجهاز السابق أو فلوله، فإن ما جرى يستدعى عديدا من الأسئلة الحائرة التى تبحث عن إجابة، منها على سبيل المثال: هل هؤلاء تصرفوا بدوافع نابعة منهم أم أنهم نفذوا توجيها ممن هم أعلى منهم؟ وهل لهم امتدادات أخرى فى بقية المحافظات؟ وهل لهؤلاء علاقة بحوادث إحراق وثائق جهاز أمن الدولة وفتح السجون وإطلاق النار على متظاهرى ثورة 25 يناير؟ وهل هم فلول الجهاز سيئ السمعة فقط أم أنهم تحركوا بتنسيق مع فلول الحزب الوطنى سيئ الذكر؟
قبل أيام تحدث السيد محمد فائق رئيس لجنة تقصى حقائق مقتلة ميدان التحرير التى شكلها المجلس القومى لحقوق الإنسان عن أن الحزب الوطنى كان له تنظيم سرى شبه عسكرى، عماده مجموعات البلطجية الذين كانوا يستخدمون لترويع المعارضين والمتظاهرين. وهو الموضوع الذى لم ينل حظه من الاهتمام والتحقيق، فيما خص وجوده وأعضاءه وأنشطته خلال الثورة وبعدها.
هذه الخلفية تذكرنى بحادثة الاعتداء بالضرب التى تعرض لها زميلنا الدكتور عبدالحليم قنديل قبل عدة سنوات «حدث ذلك أيضا مع زميلنا مصطفى شردى رحمه الله ومجدى حسين». ذلك أننى وقتذاك سألت ضابطا كبيرا فى جهاز أمن الدولة عن الموضوع، فقال لى إن الجهاز لا علاقة له بالواقعة. وتصادف أننى أتيت على ذكر الموضوع فى لقاء آخر مع أحد المطلعين على ما يجرى وراء الكواليس، فأيد كلام ضابط أمن الدولة ثم أضاف أن الذين قاموا بالمهمة مجموعة تابعة لزكريا عزمى رئيس ديوان الرئيس السابق.
ليس عندى ما يؤيد هذا الكلام أو ينفيه، كما أننى لا أعرف ما إذا كانت المجموعة سابقة الذكر لها علاقة بالذين بعثوا إلينا رسالة التحذير والتخويف من بيت مرشد الإخوان فى بنى سويف. لكن الذى أعرفه أن الأمر لا ينبغى أن يظل معلقا فى الفضاء بأسئلته الحائرة والقلقة. أدرى أن الثورة تواجه تحديات جساما منذ قامت، لكننى أزعم أن هذا الملف ينبغى أن يضم إلى قائمة تلك التحديات.