سليمان الحكيم
- فى جريدة المصريون |
لا
شك في أن أكبر مشكلة تواجه الثورة والثوار الآن هي كيفية توصيل الثورة إلى
أعضاء المجلس العسكري .أن يصل إلى هؤلاء التيار الثوري عبر أي أسلاك ؟ هذه
هي المشكلة التي يواجهها كل من الثوار الذين قاموا بالثورة . والمجلس
العسكري الذي فوضوه بإدارتها . وأئتمنوه على تنفيذ مطالبها .
المشكلة – إذن _ بإختصار هي في وجود ثورة بلا قيادة . وقيادة بلا ثورة !
لا
يزال المجلس العسكري ينظر إلى الثورة بإعتبارها ( ثورة بارتي ) أومجرد طقس
احتفالي قام به مجموعة من الشبان الذين كانوا يبحثون عن مكان يتسع لقضاء
وقت الفراغ الذي يعانون منه بسبب أزمة البطالة . فلم يجدوا امامهم أقرب
ولا أوسع من ميدان التحرير الذي يصلح أن يكون بديلا لكورنيش النيل أو
القناطر الخيرية مقصدا للرحلات التي تقوم بها " الجروبات " الشبابية أيام
العطلات الرسمية !
هكذا يبدو مفهوم المجلس العسكري للثورة حتى الآن
. بينما يراها هؤلاء الشباب – كما يراها العالم أجمع – أنبل وأعظم ظاهرة
في تاريخ مصر الحديث . بل هي علامة فارقة في تاريخ البشرية جمعاء وليس أدل
على ذلك أكثر من هذه المحاولات التي يقوم بها الشباب في بلدان كثيرة من
العالم لعمل نسخة مقلدة منها في أحد الميادين بالعاصمة بعد أن غيروا اسمه
إلى ميدان التحرير دون حتى أن يعرفوا معنى الكلمة بالعربية !
بين
نظرة دونية للثورة ولمن قاموا بها . من جانب المجلس العسكري . ونظرة سامية
تتسم بالعلو والإنتشاء من جانب الشبان . هناك هوة كبيرة تفصل بين جانبين
كلاهما يدعي الحق في موقفة وموقعه من الثورة . التي أصبحت مثل الطفل الذي
تنازع على أمومته امرأتان في قصة النبي سليمان الشهيرة . كل منهما تدعي
انها أمه التي أنجبته ففكر سليمان عليه السلام في طريقة يعرف بها من من
هاتين الإمرأتين الأم الحقيقية لهذا الطفل التعيس . فجاء بسكين وتظاهر
بأنه سيقوم بإقتسام الطفل بينهما . فوافقت احداهما ورفضت الأخرى . فعرف
سليمان الحكيم أن الأم الحقيقية هي التي رفضت تمزيق الطفل . هذا هو جوهر
المشكلة الآن : فالمجلس العسكري يقبل أن يقتسم الثورة مع أصحابها
الحقيقيين من الشبان . بينما يرى هؤلاء أن الثورة لا تقبل القسمة على أي
رقم غير الرقم واحد . وانهم الأولى والأحق في توجيه الثورة وفق ما يرونه
من مسارات وأهداف فهم الذين بدأوها وبذلوا في سبيلها ما لم يبذله أي طرف
أخر من ادعياء الحق فيها أو بها .بينما يرى المجلس العسكري أن زمام
القيادة في يده وهو المسؤول عن توجيه الثورة وتحديد مساراتها .. أنظروا ما
يحدث الآن من ارتباك أو تخبط حيال ما حدث في سيناء مؤخرا . وكيفية التعامل
مع الموقف كما ظهر من الحكومة والمجلس العسكري . فصاحب الحق الأصيل في
الثورة يرى ضرورة سحب السفير المصري . وطرد السفير الإسرائيلي وإلغاء
اتفاقية الغاز والكويز مع اسرائيل . وفتح كل الملفات الملغومة في علاقتنا
بإسرائيل عبر السنوات الماضية . بينما ترى أم الثورة بالتبني غير ذلك وفق
ادعاءات وحجج لا يرى الشبان أي منطق فيها .
هذا مشهد واحد من شاهد
كثيرة يبدو فيها الخلاف على أشده بين طرفين . أحدهما أب حقيقي والآخر أب
بالتبني . لثورة صنعها البعض بدمائه .ووجدها البعض تسقط في حجره وهو مستلق
على ظهره في لحظة استرخاء ذات قيلوله شديدة القيظ !
أما بقية
المشاهد فتتلخص فيما يرى الشبان أنه خطوة ضرورية لتحقيق مطالب الثوار .
بينما يرى المجلس العسكري ضرورة التأني وأخذ الأمور بروية أكثر مثل اقالة
النائب العام أو رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات والتخلص من فلول الحزب
الوطني وتطهير المصالح والإدارات الحكومية منهم . وتغيير القوانين
والدستور لتواكب مرحلة ما بعد الثورة . حتى لا تجري محاكمة مبارك ورموز
نظامة وفق قوانين صنعوها بأيديهم ليضمنوا عدم وصولها إلى رقابهم بينما
يتعامل المجلس العسكري مع هذه المطالب الثورية بالتأني والتؤده لسبب واحد
وحيد هو اختلاف كل من الطرفين في النظر إلى الثورة .. هل هي ثورة بالفعل
أم مجرد طقس احتفالي .. يعني مجرد " ثورة بارتي " ؟!