معتز بالله عبد الفتاح
فى مارس الماضى كنت أتحدث فى سيمنار علمى لعدد من دارسى العلوم السياسية الأمريكان بشأن أحوال الثورة المصرية وكان ذلك قبل الاستفتاء ببضعة أيام. وكان هناك إجماع بينهم على أن المصريين من المستحيل أن يقولوا «لا» لهذه التعديلات. وقطعا الأمريكان ليسوا «إخوان». هم يحسبونها، كما فعلت أنا شخصيا، وفقا لمنطق المكسب والخسارة المحتملة، أو ما قلته آنذاك من أن: «المعقول الممكن خير من المستحيل الأمثل».
هذه التعديلات كان لها منطقها حتى عند أولئك الذين لا يتأثرون بالخطاب الدينى المسيس فى مصر. إذن ما الذى يجعل بعض الناس يعتقدون أن هذه التعديلات كانت جيدة.
ما هو أصل المشكلة؟
يمكن الاتفاق على أن هذه الثورة قامت ضد الاستبداد.
ما هى عناصر الاستبداد؟
يمكن الزعم بأنها ثلاثة: تزوير الانتخابات، تركز السلطة، تأبيد السلطة.
هذه التعديلات، وخلال شهر واحد من تنحى الرئيس السابق، قدمت للمصريين علاجا مباشرا لـ 75 بالمائة من معضلة الاستبداد التاريخية. كيف؟
أولا, حسمت وإلى غير رجعة قضية تزوير الانتخابات بأن جعلتها كاملة تحت إشراف أنزه مؤسسات العمل العام فى مصر وهى القضاء. قد يكون لأحدنا مشكلة مع قاض أو وكيل نيابة هنا أو هناك، ولكن هذا لا ينفى عن المؤسسة، كمؤسسة، أنها الأنزه فى مصر.
ثانيا، فيما يتعلق بقضية تأبيد السلطة، فقد انتفت إلى غير رجعة، ألوهية الحاكم الفرد فرئيس الجمهورية قد أصبح موظفا مؤقتا لأربع سنوات تجدد مرة واحدة. فلو حكمنا هتلر سنستطيع أن نتخلص منه، ما لم نقرر أن نعود رعايا وأن نفقد ملكيتنا لوطننا مرة أخرى وهذا مستحيل.
ثالثا، فيما يتعلق بقضية تركز السلطة، فقد فرقت التعديلات بين صلاحيات استثنائية وقد لغتها بأن تخلصت من المادة 179 التى كانت أقرب إلى «هتك عرض دستورى» بأنها أعطت لرئيس الجمهورية الحق فى أن يعطل الباب الثالث كله بما فيه من حقوق وحريات للمواطنين، ووضعت عليه قيدا واضحا فيما يتعلق بالحق فى تمديد حالة الطوارئ بحيث جعلها قاصرة على 6 شهور بموافقة مجلس الشعب، ثم استفتاء شعبى إذا أرادها لما هو أطول من ذلك.
أما الصلاحيات الأصيلة لرئيس الجمهورية فكانت بحاجة لحوار مجتمعى لأن هذا المنصب له على الأقل 18 مادة تتحدث بشكل مباشر عن صلاحيات كبيرة، والسؤال ماذا نفعل بها؟ هل تنتقل إلى رئيس الوزراء كما هو الحال فى النظم البرلمانية (مثل تركيا)؟ أم تظل مع رئيس الجمهورية مثل هو الحال فى النظم الرئاسية (مثل الولايات المتحدة) مع تفعيل الدور «التمويلى» للبرلمان أكثر؟ أم يتم توزيع هذه الصلاحيات بين الرئيس ورئيس الوزراء كما هو الحال فى النظم شبه الرئاسية (مثل فرنسا)؟
هذه أسئلة ما كان للجنة تعديل الدستور أن تجيب عنها فتركتها لنا، نحن الشعب، أن نقرر بشأنها ما نريد عبر من سنختارهم كى يصوغوا الدستور ثم سيعودون إلينا مرة أخرى بعد أن ينتهوا من عملهم كى نقبل أو نرفض.
أزعم أن من قال «نعم» كانت له رؤية سياسية، نتفق معها أو نختلف، لكن تشويه صورة هذا الاختيار وكأنه جاء من شعب (اضحك عليه) ليست من الصحة فى شىء.
وللحديث بقية.