احترنا مع السلفيين بحيث لم نعد نعرف ماذا يريدون بالضبط، ولا ما هى نسبة الحقيقة أو الزيف والادعاء فيما ينسب إليهم؟. كما اننا لم نعد نعرف ما إذا كان الصحيح الذى ينسب إليهم يعبر عنهم فى مجموعهم أم أنه ممارسات أفراد أو فصيل بينهم، وهل هم حقا تشكيل واحد أم فصائل متعددة بعضها فى الإسكندرية والبعض الآخر فى القاهرة، فى حين أن ثمة بعضا ثالثا فى صعيد مصر؟
رأيت أعدادا غفيرة منهم يوم الجمعة الماضى ترفع لافتات تتحدث عن السيدة كاميليا شحاتة، القبطية التى أثير لغط حول تحولها إلى الإسلام ثم عودتها إلى المسيحية ثم اختفاؤها بعد ذلك. وتواترت أنباء الصحف التى تحدثت عن نزاعهم مع وزارة الأوقاف حول منبر مسجد «النور» الذى يصرون على أن يكون خطيب الجمعة فيه من جماعتهم. كما ذكرت الصحف أن سلفيين قاموا بهدم بعض الأضرحة فى محافظتين بالدلتا، بحجة أنها بِدَع يتعين ازالتها.
أما الشائعات المثارة حولهم فحدث فيها ولا حرج. فتارة هم يريدون تطبيق الحدود الشرعية من جانبهم، واخترع الإعلام أن ثمة «حدًا» يقضى بقطع الآذان، وان حادث الاعتداء الذى أصيبت به أذن أحد الأقباط فى قنا له أسبابه الأخلاقية هو جزء من ظاهرة وصفها بعض المهيجين بأنها حملة لتقطيع آذان الأقباط. وأشيع فى وقت متزامن أن السلفيين سيخطفون الفتيات غير المحجبات من الشوارع وينقلوهن إلى أماكن مجهولة لإعادة «تأهيلهن». كما أشيع أنهم هم الذين حركوا الجماهير فى محافظة قنا للاحتجاج على تعيين محافظ قبطى لها... إلخ.
أدرى أن مثل هذه الشائعات يروج لها المهيجون والمتصيدون والمتعصبون، لكن الصورة التى قدمت بها ممارستهم فى وسائل الإعلام أشاعت انطباعات سلبية عنهم سمحت بتسويق ذلك الكلام. ولأنه لا دخان بغير نار، فما كان لتلك الشائعات ان يصدقها الناس لولا أن ممارسات بعض السلفيين التى رأوها بأعينهم على شاشات التليفزيون مثلا جاءت مشجعة على ذلك.
لم أفهم تدخل السلفيين بالشكل الحاصل الآن فى ملف كاميليا شحاتة، رغم أن اختفاء مواطنة مصرية أمر يخص الأجهزة الأمنية ويتعلق بأعمال القانون وهيبة الدولة. وقد أقبل أن يقدم بلاغ إلى النائب العام بذلك سواء من السلفيين أو إحدى منظمات حقوق الإنسان للكشف عن حقيقة الأمر. كما أفهم أن تتحرى الأجهزة الأمنية المسألة وأن تحل اللغز. لكن ما أستغربه أن تصبح القضية شاغلا أساسيا للسلفيين دون غيرهم. وان تنطلق تظاهراتهم طوال الأسبوع لهذا الغرض، وان يهددوا بالزحف على الكاتدرائية القبطية لأجل ذلك. إذ إن موقفهم ذاك يشكل عدوانا على حق الدولة فى تأمين مواطنيها، كما أنه يسهم فى تعميق الفتنة الطائفية فى المناخ الراهن، ناهيك عن أنه يربك الرأى العام ويصرفه عن تحديات أكبر تواجه الوطن فى الوقت الراهن الذى يفترض أن تحشد فيه الجهود لصالح تأسيس النظام الجديد.
لم أفهم أيضا الإشكال الذى أثاروه بمطالبتهم باحتكار منبر المسجد بدعوى أن جمعية «الهداية» هى التى بنته وأن وزارة الأوقاف استولت عليه. وهى بالمناسبة معلومة غير دقيقة لأن الحكومة من خلال شركة المقاولين العرب هى التى أكملت بناءه وقامت بتشطيبه وحولته إلى تحفة معمارية مميزة. فضلا عن اننى لا أعرف أن أحدا يمكن أن يدعى أنه يملك مسجدا، حيث المساجد لله فى نهاية المطاف. ثم إننى استغرب المشاحنة واستخدام القوة فى اعتلاء منبر أى مسجد، وتحدى وزارة الأوقاف فى هذا الصدد.
أيضا فإن موضوع هدم الأضرحة، الذى نعرف أنه يشغل غلاة السلفيين فى حين أن آخرين تجاوزوه ونسوه، دليل آخر على أن إخواننا هؤلاء غير واعين لا بواقع المجتمع المصرى المتدين بطبيعته، وغير مدركين لشىء من أولويات تأسيس النظام الجديد فى مصر.
لقد دعوت من قبل إلى احترام حق السلفيين فى الوجود، لكنهم مدعوون الآن وبشدة إلى احترام النظام العام والقانون، وإلى النظر بعقل واعٍ وأعين مفتوحة إلى طبيعة واستحقاقات المرحلة التى يمر بها الوطن. وإذا كان هناك من يتصيد لهم ويشوه صورتهم فلا مفر من الاعتراف بأنهم من يقدم لهؤلاء «الطُّعم» الذى يمكنهم من بلوغ مرادهم.
إن ممارسات السلفيين قدمت لنا اسوأ ما لديهم وليس أفضله مما شوه مشروعهم الذى التبس علينا أمره، لذلك فإننى أتمنى أن يقدموا أنفسهم بحسبانهم إضافة إلى الوطن وليس تخويفا لأهله وخصما من رصيده واجهاضا لحلمه.