معتز بالله عبد الفتاح
إلى السادة أعضاء مجلسى الشعب والشورى: الحقوا اعملوا الدستور قبل ما تطلعوا غير دستوريين.
أصدرت المحكمة الإدارية العليا، حكما مهما قديما جديدا متوقعا مفهوما منتظرا طريفا مؤلما مزعجا مؤرقا بإحالة بعض نصوص قانون مجلس الشعب بشأن انتخاب ثلث أعضائه بالنظام الفردى إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية هذه النصوص. لماذا؟
قالت المحكمة فى حيثياتها إنه تبين لها «عدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الثالثة والفقرة الأولى من المادة السادسة والمادة التاسعة مكرر «أ» من قانون مجلس الشعب لأنها سمحت للأحزاب السياسية بمنافسة المرشحين المستقلين على نسبة ثلث مقاعد مجلس الشعب، مما يترتب عليه مزاحمة المستقلين فى مقاعد يجب أن تخصص لهم».
وأكدت المحكمة أن هذه النصوص أخلت بمبدأى المساواة وتكافؤ الفرص ومنحت الأحزاب أولوية وأفضلية بأن جعلت انتخاب ثلثى الأعضاء بنظام القوائم الحزبية والثلث الآخر بنظام الفردى، رغم أن الشرعية الدستورية تستوجب أن تكون القسمة متساوية، حسبما كان مقررا فى المرسوم بقانون رقم 120 لسنة 2011، الذى ألغاه المجلس العسكرى تحت ضغط القوى السياسية، وأصدر بدلا منه المرسوم رقم 123 لسنة 2011 الذى تضمن هذه المخالفة الدستورية.
وأضافت المحكمة أن هذا الخلل لم يقتصر على القسمة فقط بل إنه امتد ليزاحم المستقلين فى حقهم الدستورى وسمح للأحزاب بمزاحمتهم، مما ينطوى على تمييز فئة على أخرى لمجرد الانتماء الحزبى الذى لم يفرضه القانون وما يستحيل معه ممارسة المرشح المستقل حقه السياسى فى الترشح على قدم المساواة مع المرشح الحزبى.
وأوضح المستشار مجدى العجاتى، رئيس المحكمة أن المحكمة الدستورية العليا هى المنوطة بإصدار حكم ببطلان انتخاب الثلث الفردى بالطريقة التى تم بها، وذلك فى حالة تبنيها نفس رؤية الإدارية العليا، والمهم هنا أن هذا البطلان إذا حدث لن يؤدى إلى إلغاء ما قد يقرره مجلس الشعب من قوانين وقرارات بل تظل صحيحة ونافذة، مشددا على أن المحكمة الدستورية هى صاحبة القول الفصل فى القضية.
وكان العديد من خبراء القانون الدستورى والمستشار طارق البشرى قد أكدوا علنا أن تقسيمة الثلثين والثلث بها شبهة عدم دستورية، لمخالفتها مبدأ شهير للمحكمة الدستورية العليا حلت به مجلس الشعب المنتخب عام 1987 بسبب إجرائها كاملة بالقوائم الحزبية، وحرمان المستقلين من خوضها.
الطريف أن أحزاب الأقلية هى التى طالبت بأن تكون الانتخابات كلها بالقائمة، واعترض المجلس العسكرى عسى أن تكون هناك فرصة للقوى المحافظة التقليدية (المحسوبة فى بعضها على النظام القديم)، لذا صمم المجلس العسكرى على أن تكون هناك نسبة للانتخاب بالفردى. فماذا حدث؟
كثير ممن كانوا يطالبون بالقائمة دخلوا الانتخابات فردى وكسبوا، وكثير ممن كان المجلس العسكرى يريد لهم أن يدخلوا الانتخابات الفردى كى يفوزوا خسروا، وكان السلفيون هم الأكثر استفادة من نظام القائمة، رغم أن منافسيهم كانوا يخططون للعكس، والإخوان فى كل الأحوال كانوا سيفوزون سواء فردى أو قائمة لأسباب كثيرة. والمهم أن الانتخابات كلها ومن ثم بقاء مجلس الشعب أصبح موضع تساؤل بشأن مدى دستوريتهما. ولكن المهم ألا يصدر أى قرار بشأن عدم الدستورية قبل تشكيل الجمعية التأسيسية وإقرار الدستور الجديد، إنقاذا لما يمكن إنقاذه. الحقوا اعملوا الدستور قبل ما تطلعوا غير دستوريين. أما عن القراء الكرام، فأنا أطلب منكم أن تستدعوا أكبر كم ممكن من المرح والدعابة فى الفترة القادمة لأننا سنمر بتجارب عجيبة إما أن نسخر منها وإما نموت فيها. اضحكوا بمنطق:
لا تحسبوا رقصى بينكم فرحا .. فالطير يرقص مذبوحا من شدة الألم