ألقيت هذه الخطبة بتاريخ 11 من شهر ربيع الأول 1433 ه الموافق 3 فبراير 2012 م
،
،
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ,له الملك , وله الحمد , وهو على كل شيء قدير أمرنا
بالحفاظ على النفس البشرية , وأمرنا بالعمل الصالح في الدنيا لنفوز بجنة عرضها الأرض , والسماوات .
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الرحمة المهداة ,والنعمة المسداة .
اللهم صل ,وسلم ,وبارك على سيدنا محمد , وعلى آله ,وصحبه ,وعلى كل من سار على نهجه ,واقتفى
أثره إلى يوم الدين .
أما بعد
فلاشك والله بأن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لما نحن فيه اليوم لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي
ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل لاشك أن كل مسلم اليوم يسمع ويرى تلك الأحداث المؤسفة وتلك المشاهد المؤلمة فإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن تلك المشاهد وتلك الفظائع ليست في وقت وقتال مع جيش الإسلام وجيش الكفر وإنما من يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا بين بلد وبلد وإنما في أرض واحدة وفي مجتمع واحد
مصر الكنانة ما هانت على أحد الله يحرسها عطفا ويرعاها
ندعوك يارب العالمين أن تحمي مرابعها فالشمس عين لها والليل نجواهاتلك الأحداث عباد الله تدعونا جميعا أن نعتصم بالله رب العالمين تدعونا ونحن في ذكرى من أعز
الذكريات وهي ذكرى ميلاد النبي المصطفى ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أن نأخذ الزاد في هذه الحياة أن نأخذ الزاد الإيماني الذي يجعلنا نعمل من أجل الله رب العالمين سبحانه وتعالى الذي يجعلنا نتجرد لله في كل أقوالنا وأفعالنا وإنما ما نحن فيه مؤامرات قل داخلية وقل خارجية فإن هناك من الأعداء من يكيدون لنا في الصباح والمساء قل ممن يدعون بأنهم يريدون العدل والإصلاح وقل ممن يريدون الخراب والدمار نعيش في فتنة عمياء ليست عندنا من الأدلة ما يجعلنا نقول بأن فلانا فعل كذا وكذا وإنما من فعل إنما هو مفسد يسعى في الأرض الفساد والإفساد وجزاؤه كما قال القرآن الكريم
{ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ( سورة المائدة الآية 33 )ما ترك لنا القرآن شيئا إلا ووضحه لنا والمسلم عليه أن يرجع إلى الله رب العالمين ـــ سبحانه وتعالى ـــ في
كل أموره ليعرف الطريق الصحيح لحياته التي يرسمها لنفسه ليكون على صواب ومعه معية من الله ـــ عز وجل ــ فمشكلتنا الكبرى أن كل إنسان يصدق نفسه وفقط وكل إنسان يقول بأن رأيي هو الصواب وفقط وغيري على باطل إن دعا إنسان إلى الاستقرار والطمأنينة ووحدة الأمة ترى الاتهامات بأنه من أتباع النظام البائد ومن يريد الإفساد في الأرض فهو مفسد ومن يدعو لتكون الأمة على قلب رجل واحد نرى تلك الاتهامات المغرضة ومن يدعو إلى أن نظل على حالنا وأن نحارب من يحاربنا فهو على صواب ,فإننا اليوم نرى الإعلام المسموم الذي يبث جذوره وفتنه أمام الناس في الصباح والمساء من متحدثين , يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم يقولون بألسنتهم وهناك من يعرفهم في الصباح والمساء بأنهم يقولون ما لا يفعلون .
نعيش اليوم إخوتى الإيمان والإسلام .... هذه المشاهد وتلك المآسي التي تحدث للأمة الإسلامية ممن
يتكلمون ولا يعملون ممن يريدون الكلام ,وفقط ,ويخرجون من قناة ليذهبوا إلى أخرى ,ويذهبون من هنا إلى هناك ولكن الإسلام ليس دين الكلام فقط وإنما الإسلام
جدد العهــــــــــــــــــــــــــــد وجنبني الكلام إنما الإســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام دين العاملــين
وانشر الحق ولا تخـــــــــش الظـــــــــــــــــــــــلام وبصــــــــدق العزم يعلــــــــــــــــــــو كل دينعباد الله : ــــ الإسلام ليس كلاما يقال هنا وهناك , وإنما يريد أن تكون الكلمة باللسان مترجمة لعمل يعمل
وإلى كلام ينفذ على أرض الواقع وإلى تنفيذ على أرض الواقع ليشعر المجتمع بالأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار
الأمة اليوم بحاجة إلى أن تكون على قلب رجل واحد بحاجة إلى أن ترجع إلى هدي القرآن الكريم لتأخذ منه الزاد لما هي فيه وصدق ربنا سبحانه وتعالى حين قال ــــ سبحانه وتعالى
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (سورة آل عمران الآية 103 )لم يدع الإسلام إلى الفرقة فكل شيء يهون في سبيل عدم إراقة الدماء البريئة على الأرض وصدق النبي ـــ
صلى الله عليه وسلم ـــ فعَنْ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ــــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ قَالَ { لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ } ( سنن ابن ماجه )إن كل شيء يهون تهون المناصب وتزال الدنيا كلها ولا تراق دم امريء مسلم بريئة على الأرض ولكننا
اليوم ندعو إلى ما يشعل الفتنة في الصباح والمساء, ندعو إلى من يريدون القتل, والدمار ,والخراب ندعو إلى من يريدون أن تراق الدماء لنحقق أهدافنا ولنحقق المكتسبات كل شيء يهون في عدم إراقة دم مسلم بريئة لا ذنب لها كما بين النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ
فعن عبد الله بن عمر ــــ رضي الله عنه ــــ قال رأيت رسول الله ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ يطوف بالكعبة ويقول: { ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرا ً) رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 2/630 )
وكما بين النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ في حجة الوداع { إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا} ( صحيح مسلم )جاء الإسلام ليحقن الدماء ليبين للدنيا كلها بأن المسلم متماسك مع أخيه المسلم يتنازل الإنسان عن
رأيه حينما تقول الأغلبية كلمتها ولكننا اليوم لا نثق بأي شيء ولا نثق في أي أمر يحدث فمن كانوا ينادون بالدستور أولا عند الاستفتاء مازالوا على رأيهم ويرددونه اليوم يقولون بأن الأغلبية قد أخطأت وكان ينبغي أن يكون الدستور أولا وهذا الأمر قد حسم وانتهى وقالت الأغلبية كلمتها فعلينا أن نسير مع الأغلبية فيد الله مع الجماعة ولكننا نسمع تلك الاتهامات ونسمع تلك الاتهامات المغرضة التي تريد أن تعود بنا إلى الوراء ليكون هناك الفساد والإفساد ومشكلتنا أننا لا نثق في بعضنا لم نأخذ من الإسلام دروسا نسير عليها في هذه الأيام لم نأخذ بما قاله علماؤنا رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيي غيري خطأ يحتمل الصواب ولكن كل إنسان حينما يقف على نفسه ويغلق الأبواب على نفسه وفقط فإنه لن يسمع أحدا لأنه أذنه قد أغلقت وعينه لا ترى إلا ما يراه هو ولكن الإسلام ليس كذلك والإسلام يدعو بأن تكون الأمة متماسكة يدعو بأن كل إنسان يقتنع بالآخر يريد الصواب والحق أما أن يسمع لنفسه وفقط وكل ما يقال له فهو خطأ فهذا هو الخطأ بعينه .
انظر إلى الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ولكن حينما يأتي الحق يرجع الكل إليه وهذا ما كان يفعله
صحابة الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ لم يدع الإسلام في يوم من الأيام إلى طاعة عمياء وإنما أراد من الأمة أن تفكر في كل شيء فجاء الإسلام ليحترم عقول الناس في كل الأمور فقد أرسل الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ سرية والسرية هي معركة من المعارك ولكن لم يحضرها الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ الغزوة هي ما حضرها الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ ما عدا غزوة مؤتة لم يحضرها الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ـــ وأطلق عليها غزوة لكثرة العدد ولأهميتها فعَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ـــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ سَرِيَّةً وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ وَجَدَ عَلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ فَقَالَ قَالَ لَهُمْ أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ـــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ أَنْ تُطِيعُونِي قَالَ قَالُوا بَلَى قَالَ فَقَالَ اجْمَعُوا حَطَبًا ثُمَّ دَعَا بِنَارٍ فَأَضْرَمَهَا فِيهِ ثُمَّ قَالَ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَتَدْخُلُنَّهَا قَالَ فَهَمَّ الْقَوْمُ أَنْ يَدْخُلُوهَا قَالَ فَقَالَ لَهُمْ شَابٌّ مِنْهُمْ إِنَّمَا فَرَرْتُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ـــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ مِنْ النَّارِ فَلَا تَعْجَلُوا حَتَّى تَلْقَوْا النَّبِيَّ ـــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ فَإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوهَا فَادْخُلُوا قَالَ فَرَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ ـــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ــــ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ لَهُمْ لَوْ دَخَلْتُمُوهَا مَا خَرَجْتُمْ مِنْهَا أَبَدًا إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ } (مسند الإمام أحمد )"لقد رفض ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ هذه الطاعة العمياء , داعيا في نفس الوقت إلى الفهم الرشيد
للمواقف والأحكام وصولا إلى الحق المنشود . ونحن مطالبون بالانتفاع بهذه الآراء المشتجرة , بدل استثمارها لتوسيع الخلاف .
يقول الشيخ الغزالي رحمه الله " أنتفع من تراث أبي حامد الغزالي صاحب " تهافت الفلاسفة " كما انتفع
من تراث خصمه " ابن رشد " صاحب " تهافت التهافت "
وإذا كان الغزالي يحمل دماغ فيلسوف وابن تيمة يحمل رأس فقيه فإني اعتبر تلميذا لمدرسة الفلسفة
والفقه معا ثم يقول " المدرسة التي أعتبر نفسي رائدا فيها أو ممهدا لها تقوم على الاستفادة التامة من جميع الاتجاهات الفكرية والمذاهب الفقهية في التاريخ الإسلامي "
ومن المواقف التي تبين لنا كيف يكون الخلاف الحق وكيف نتحاور لنصل إلى طريق صحيح يأخذ بأيدينا
إلى طريق النجاة والحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق بها ففي
صحيح مسلم ما قاله يزيد بن صهيب ـــ رضي الله عنه ـــ كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ ثُمَّ نَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ قَالَ فَمَرَرْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَالِسٌ إِلَى سَارِيَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنَّمِيِّينَ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُونَ وَاللَّهُ يَقُولُ {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ }وَ{ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا } فَمَا هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ قَالَ فَقَالَ أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ ــ عَلَيْهِ السَّلَام ـــ يَعْنِي الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ ـــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ قَالَ ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيْهِ قَالَ وَأَخَافُ أَنْ لَا أَكُونَ أَحْفَظُ ذَاكَ قَالَ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ زَعَمَ أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا قَالَ يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ قَالَ فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيسُ فَرَجَعْنَا قُلْنَا وَيْحَكُمْ أَتُرَوْنَ الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعْنَا فَلَا وَاللَّهِ مَا خَرَجَ مِنَّا غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ كَمَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ ( صحيح مسلم )يطالعنا هذا الحديث الشريف بموقف شاب مسلم تعصب لمذهب معين تعصبا حمله على تدبير مؤامرة
ضد مجتمعه المسلم في موقف أكرم مواقفه .. في موسم الحج ... وسرعان ما عاد إلى الحق بعد ما تبين له .. فكان العود حميدا طبق القاعدة القائلة : الرجوع إلى الحق , خير من التمادي في الباطل ....وهو بهذا الفهم يكشف عن لون آخر مذموم من التعصب حين يثق الفرد بغيره ثقة عمياء .. فلا يعود إلى الحق وإن ظهرت دلائله .لأنه لم يقتنع عن دليل حتى يقنعه دليل وإنما هو لون من عبادة الأشخاص , غير منظور فيها إلى المباديء التي يجب أن تكون هي القيمة العليا . ونتأمل في ذلك نجد بأننا أمام
1 ــ لقد كان يزيد شابا غيورا على دينه . وفتن يوما بواحد من آراء الخوارج مع صحبه من المتحمسين
مثله , وحملهم الحماس على ترجمة أفكارهم إلى عملية تخريب وتفريق لجماعة المسلمين في الحج .
2 ـــ لكنه مع تعصب فتح قلبه لآراء الآخرين .. حين دخل في هذا الحوار مع جابر بن عبد الله ـــ رضي
الله عنه ـــ وأثبت بهذا الحوار صلاحيته كمسلم يبحث عن الحق في مظآنه . وليس هو بالرفض لكل رأي .
إن الختم على القلب معناه أنه مضموم على فكر .. لا يخرج ومغلق .. فلا يفتح لمعنى آت من الخارج
فمن أغلق على نفسه الباب ولم يستمع إلى الرأي الآخر يوشك أن يكون مختوم العقل والقلب معا .. ورفض يزيد بن صهيب أن يكون صورة مكررة أو نسخة مطبوعة ؛
3 ـــ عندما اتجه إلى جابر ـــ رضي الله عنه ـــ كان يسأل على غاية ما يكون الأدب الإسلامي , وذلك قوله
: يا صاحب رسول الله ثم بسط وجهة نظره مدعومة بالآيات القرآنية حسب فهمه ..
4 ــــ وبدأ الدور القيادي لصاحب رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وكان دوره خاليا من التعفف
والتجريح ... وإنما لفت نظره برفق ليقرأ الآية بسياقها قراءة تسلمه في النهاية إلى المراد .
5 ــــ وفي عملية مراجعة للموقف تساءل يزيد مع رفاقه منكرين أن يكذب هذا الصحابي الجليل على
رسول الله ـــــ صلى الله عليه وسلم ـــ ثم عادوا إلى الحق , وحمى الله موسم الحج من حركة طائشة يوحي بها فهم ضيق وثقافة ضحلة .
حاجتنا إلى الوعي والفقه
لقد اختلف الصحابة ـــ رضوان الله عليهم ـــــ لكنه الخلاف الذي ينشد إحقاق الحق وإبطال الباطل وليس
هو خلاف المتعصبين الناظرين إلى حظوظ النفس , وبهرجة الشهرة ....وإذا كان قد بقي من جماعة " يزيد" واحدا لم يقتنع بما سمع وظل خارجا عن الصف النموذج فلعله كان أفقرهم ثقافة , وأكثرهم إحساسا بحظوظ نفسه . وما أكثر ما يتراجع هذا النموذج إذا جد الجد . وتقع الواقعة بل إن هذه قد تكون القاعدة ..ذلك أن الاندفاع والتهور والحماسة الفائقة غالبا ما تكون منبعثة من عدم التقدير لحقيقة التكاليف ...لا عن شجاعة واحتمال وإصرار ... كما أنها قد تكون منبعثة عن قلة الاحتمال فتدفعهم قلة الاحتمال إلى طلب الحركة والدفع والانتصار ..لا عن شجاعة واحتمال وإصرار .. كما أنها قد تكون منبعثة عن قلة الاحتمال فتدفعهم قلة الاحتمال إلى طلب الحركة والدفع والانتصار بأي شكل دون تقدير لتكاليف الحركة إذا ووجهوا بهذه التكاليف فكانت أكثر مما قدروا , وأشق مما تصوروا , فكانوا أول الصف نكولا وجزعا وانهيارا على حين يثبت أولئك الذين يمسكون أنفسهم ويحتملون الضيق والأذى بعض الوقت , ويعدون للأمر عدته , ويعرفون حقيقة تكاليف الحركة , ومدى احتمال النفوس لهذه التكاليف فيصبرون ويتمهلون ويعدون للأمر عدته والمتهورون المندفعون المتحمسون يحسبونهم إذا ذاك ضعافا ولا يعجبهم تمهلهم ووزنهم للأمور وفي المعركة يتبين أي الفريقين أكثر احتمالا , وأي الفريقين أبعد نظرا كذلك (من الذي يغير المنكر وكيف ؟ للدكتور محمود عماره نقلا عن في ظلال القرآن ) .
إن الواجب علينا اليوم عباد الله أن نستشعر الخطأ الذي يحدق بنا من الداخل قبل الخارج
علينا أن نكون مع الجماعة فيد الله مع الجماعة
علينا أن نعلم علم اليقين بأنه ينبغي عليه أن يتجرد من حب ذاته ومصالحه الشخصية واتجاهاته وإنما
يكون عمله لله رب العالمين في المقام الأول ليحقق الله ـــ عز وجل ـــ الخير على يديه وعلى كل مسئول أن يعلم بأن المسئولية إنما تقع عليه لا ينكر إنسان بأن المسئولية تقع على من بيده الأمر في تلك الأحداث التي شهدتها البلاد لأن كل إنسان حينما يكون مسئولا عن مكان معين وعن أمر معين فإن العاقبة ستكون عليه لأن الحسنة له والسيئة له وبأن الأعمال التي يقدمها إنما هي له حسنة الصغير ترجع إلى الكبير وسيئة الصغير ينبغي أن تكون للكبير أيضا لتكون له تلك المسئولية التي بينها النبي ــ صلى الله عليه وسلم
فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ ، قَالَ: {كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكمْ رَاعٍ وَكُلُّكمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ } (أخرجه البخاري في: 49 كتاب العتق: 17 باب كراهية التطاول على الرقيق )وعَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيَادٍ عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يَقُولُ: {مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللهُ رَعِيَةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلاَّ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ } (أخرجه البخاري في: 93 كتاب الأحكام: 8 باب من استُرعِى رعية فلم ينصح)وقد كان صحابة النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يسيرون على هذا النهج في حياته كلها وكان على رأس سيدنا عمر بن الخطاب الذي قال لو عثرت بغلة في العراق لوجدتني بأن الله سائلني عنه يوم القيامه لِمَ لَم تمهد لها الطريق يا عمر ؟ هذا هو عمر بن الخطاب وكانت معه الرعية المخلصة الناصحة له في كل أمورها فلسنا رعية عمر وليس من بيده الأمر مثل عمر وصدق ربنا سبحانه وتعالى حين قال
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) ( سورة الرعد الآية 11 )وإن أزمتنا اليوم إنما هي أزمة أخلاق لقد ضاعت الأخلاق من الأمة وما من موقع إلكتروني من
المواقع الفيس بوك وغيره إلا وتجد السب والقذف فلان ابن كذا وكذا فلان يستحق كذا وكذا فلان صفته ونعته وليست هذه من الصفات الإسلامية التي بينها لنا رب العالمين سبحانه وتعالى فقد جاء القرآن الكريم بما بصلح أنفسنا ويصلح حالنا قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } ( سورة الحجرات الآية 6) وقال سبحانه وتعالى أيضا {
مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ( سورة ق الآية 18 ) ولكن كل هذه الأمور ضاعت عن الأمة ولا يبقى إلا اللسان الذي يتكلم في الصباح والمساء ليلقي التهم جذافا لهذا وذاك
وإن على الأمة اليوم أن تعلم بأن الحل فيما نحن فيه أن نكون يدا واحدا متماسكة ضد الفساد
والإفساد وضد من يريدون إشعال الفتن في الأمة الإسلامية , ولكن كل هذه الأمور ضاعت عن الأمة ولا يبقى إلا اللسان الذي يتكلم في الصباح والمساء ليلقي التهم جذافا لهذا , وعلينا أن نعتبر من الأحداث لنأخذ الزاد لما نحن فيه وأن يكون هناك حساب للمقصر وأن يكون هناك كشف عن المتسبب في ذلك فإن تلك الأحداث التي تحدث كلما تقدمنا خطوة للأمام رجعنا إلى الوراء ألف خطوة .
علينا إخوتى الإيمان والإسلام , بل على المسئولين ومن بيده الأمر أن يعلموا علم اليقين بأن ردع
الجاني وبأن العقوبة حينما تنزل على من يسعى بالإفساد والفساد فسوف يكون هناك الأمن والأمان للمجتمع المسلم
علينا إخوتى الإيمان والإسلام أن ندعو الله ــــ عز وجل ـــ في الصباح والمساء أن يحفظ بلادنا من
كل سوء فاللهم احفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه اللهم آمين