حوار عاقل لابد أن نتسائل ماذا لو تم إقتحام الداخلية
ومالهدف من الإقتحام ، وهل بهذا نرد حق الشهداء
أترككم مع المقال
عماد الدين حسين
فى التاسعة إلا الربع من صباح الخميس الماضى توجهت إلى مبنى التليفزيون المصرى فى ماسبيرو ضيفا على برنامج الصباح فى القناة الثانية. باب أربعة الرئيسى على الكونيش كان مغلقا، تصورت أنه إجراء احترازى خوفا من اقتحامه، ذهبت إلى باب 15 فكان مغلقا، ونفس الوضع فى باب الجراج. ذهبت إلى باب آخر ملاصق لوزارة الخارجية، فكان نفس الأمر.
أخيرا عرفنا أن مجموعة من أقارب شهداء مجزرة استاد بورسعيد قرروا منع الخروج أو الدخول من وإلى المبنى، إضافة إلى إغلاق طريق الكورنيش بأكمله. أصحاب السيارات الأجرة والملاكى حاولوا كسر الإغلاق فكادت تحدث كارثة.
ذهبت إلى أحد الشباب لأقنعه أن إغلاق التليفزيون أو قطع الطريق لن يحل المشكلة ولن يعيد الشهداء، بل سيجعل بعض المواطنين لا يتعاطفون معهم، فوجدته ينهار باكيا ويقول لى «هل جربت أن تجد أخوك يعود إليك جثة هامدة عشان قرر يشوف مباراة كورة»، لم أستطع المقاومة وانهرت مثله باكيا وغادرت المكان بأكمله راجيا ألا يتطور المشهد إلى مأساة بين ضحايا فقدوا أقاربهم، وآخرين يريدون ألا تتعطل مصالحهم اليومية.
لا شىء أكبر من فقدان ابن أو قريب، ولا أحد يستطيع أن يشعر بمرارة الفقد إلا من جرب ذلك، نعذر أولئك الملتاعين عندما يفقدون حبيبا فيلجأون إلى أفعال قد لا تبدو طبيعية مثل قطع طريق، لكن عندما يتم تعميم هذا المنهج فى السياسة فإن نتائجه قد تكون كارثية.
قبل الاسترسال علينا أن نتفق على أننا لا نختلف حول فشل وزارة الداخلية فى حفظ الأمن، أو إخفاق المجلس العسكرى فى إدارة البلاد بأكملها، لكننا نناقش جدوى ومحاولات الاقتراب من وزارة الداخلية والتظاهر أمامها مباشرة.
التظاهر السلمى حق للجميع وهو الذى أسقط حسنى مبارك، وفى كل المرات التى تم جر المتظاهرين لاشتباكات عنيفة كانت النتائج وخيمة.. لنفترض أن المتظاهرين وصلوا إلى بوابة وزارة الداخلية الرئيسية، فما هو السيناريو التالى؟!.
لن نعدم مندسا فى جانب المتظاهرين أو متآمرا داخل الوزارة، سيضرب هذا «شمروخا» أو يطلق ذاك رصاصة، فتندفع الجموع وتدخل الوزارة مثلا، أو يحاول حراسها الدفاع عنها فتقع المصيبة الكبرى ويسقط ضحايا كثيرون.
لنفترض أن جموع المتظاهرين تمكنوا من دخول الوزارة والسيطرة عليها، فما الذى سيتغير؟!.
هل سيعلنون البيان رقم واحد؟!.
للأسف السيطرة على الوزارة صعب ــ خصوصا بعد تزويدها بفرقة من الصاعقة بعد اشتعال الأحداث ــ ثم انه لن يقود لشىء، لأن هناك 27 مديرية أمن فى المحافظات ومئات من أقسام الشرطة، وحتى بفرض سقوط كل وزارة الداخلية فهناك القوات المسلحة.
ثانيا وبفرض سيطرة الألتراس وثوار التحرير على كل مؤسسات الدولة، هل سيعلنون قيام دولة مستقلة، وماذا سيفعلون مع مجلس الشعب المنتخب؟.
يفترض أننا عندما نخوض نضالا سياسيا تكون لدينا رؤية واضحة وخطط وقواعد وآليات، ويفترض أيضا أن إسقاط دولة طرة وبقايا نظام حسنى مبارك لا يكون بالاقتحام أو الذهاب لوزارة الداخلية لان القوى المادية غير متكافئة.
النتائج المبهرة للثورة فى كل منعطفاتها الرئيسية تمت بالنضال السلمى وليس بالمولوتوف والحجارة.
علينا ألا نعالج كارثة شهداء استاد بورسعيد بكارثة أكبر وهى سقوط شهداء جدد أمام وزارة الداخلية وفى محيطها.
علينا ألا نخلط بين القضايا والأولويات.. ويفترض أن تكون الأولوية الأولى هى توافق القوى السياسية الرئيسية على كلمة سواء بسرعة استلامها للسطلة، أما غير ذلك فلن يؤدى إلا لمزيد من الفرقة وسيضر الثورة أكثر مما يفيدها.