أ.د. صلاح الدين سلطان
لقد كان سيدنا إبراهيم إيجابيا أحسن ما تكون الإيجابية مع سلطة تعلن الكفر واضحا فلم يواجهها بالعنف والقتل والتخريب والدمار، بل بالحوار والجدال، من غير اعتداء ولا اعتزال، كما قال سبحانه: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"-البقرة : 258-.
واجبنا الإرشاد والبيان في ثوب قشيب، حجة بالغة في قوة نادرة، اقتداء بسيدنا إبراهيم –عليه السلام- في الإيجابية مع الحوار وسرعة البديهة، وقوة في الإقناع؛ بهتت الكفر وأهله، وبقي نموذجا في التفاعل الدائم لدى من يريد أن يلقى الله تعالى غير مضيِّع لأمانة النصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، بدلا من الفضفضة بالنكت والطرائف تنفيسا لاحتقان النفس، وتسريبا لغيرة القلب على الحرمات التي تنتهك في كل مكان حولنا.
الركون إلى السلامة
إن هناك من صفوة المتعبدين من يرى أن السلامة لدينه أن يبتعد عن السياسة وهمومها ، والأمور العامة وتقلباتها، وهذا قطعا يخالف ملة إبراهيم، ويجافي منهجه، ويبتعد عن الهدي النبوي، وهو ركون إلى سلامة لا تدوم في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا ليس دينا بل جبن وخوف وهلع يجب أن يعالج بالنصوص الجليات ومنه قوله تعالى: "إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" -آل عمران :175- تخلية عن الجُبن، وتحلية بالشجاعة والأدب والتوكل على الله تعالى كما جاء في قوله تعالى: "أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ"-الزمر : 36- .
بالإضافة إلى التخلية عن الجُبن والتحلية بالشجاعة نريد أن نقرأ كثيرا ونتدبر أكثر، لنمتلك القدرة على الحوار المباشر مع كل المستويات الفكرية والسياسية أو الحوار عن طريق الإنترنت.
إسلام أمريكية
وهنا أسوق قصة تغري بفتح هذا الحوار الجاد حيث ذهبتُ إلى أحد المراكز الإسلامية الأمريكية في ولاية كنتاكي وطلب أحد الأخوة أن نحاور إحدى القيادات الأمريكية على "الماسنجر"، وكانت تسب الإسلام لأنه - حسب معلوماتها - يُهين المرأة، فقبلتُ بشرط أن يدعو الله ليهديها أثناء حواري معها، لأننا نحب للناس الهداية. فبدأت بسبٍ فظيع للإسلام ، فامتصصتُ هذا الغضب وأقمتُ الحجة على إكرام الإسلام للمرأة أكثر من أي دين، وبعد ساعة وربع من الحوار، أدركها فضل الله عز وجل فقالت: (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله )، فكبَّر جميع من كانوا معنا في غرفة الحوار.
وأقسمُ بالله أن العالم ينتظرنا كي نتحاور معه، وقد فتح الله أبواب الفضائيات والإنترنت ليكون ابتداءً لكل مسلم، ليحمل الدعوة ويوصلها لكل ذي خفٍ وحافر، بعز عزيز أو بذل ذليل، كما قال الحبيب –صلى الله عليه وسلم- وبشَّر.