عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ظهر اليوم، مؤتمرًا صحفيًّا بكلية القادة والأركان حول أحداث ماسبيرو، حضره 3 من أعضاء المجلس، وهم اللواء: محمود حجازي، وعادل عمارة، وإسماعيل عتمان.
وتم عرض مقاطع فيديو أثناء المؤتمر يكشف تحريض قيادات كنسية لحشد من الأقباط؛ للخروج بمسيرة لم تشهدها مصر من قبل من دوران شبرا وحتى داخل مبنى ماسبيرو، فضلاً عن فيديو آخر لرجل دين يهدد بقتل محافظ أسوان الدكتور مصطفى السيد إذا لم يتقدم باستقالته.
وقال اللواء محمود حجازي: "أودُّ في بداية هذا المؤتمر أن أعرب عن أسف المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن أحداث ماسبيرو التي راح ضحيتها عدد من شباب مصر، وأتقدم بالتعازي لأسرهم وأتمنَّى للمصابين سرعة الشفاء".
ونؤكد أنه تم عقد هذا المؤتمر، اليوم، بعد توفر قدر مناسب من المعلومات والبيانات عن هذه الأحداث، والتي تؤكد انحراف البعض عن المسار الطبيعي للأحداث التي وقعت وبشكل لا يخلو من سوء النية، وسيتم التعامل من خلال الأرقام والبيانات بكل دقة وشفافية ودون التعرض لما تقوم به الأجهزة القضائية"، وشدَّد على تبنِّي المجلس العسكري- منذ توليه المسئولية وحتى انتهاء الفترة الانتقالية- ثوابت ومحددات وطنية في إدارة شئون البلاد لا يمكن أن يحيد عنها مهما كانت الظروف والعقبات.
وتابع اللواء حجازي: "لولا عناية المولى سبحانه وتعالى لدخلت مصر في دوامة العنف والعنف المضاد"، لافتًا إلى استمرار بعض القوى في هدم أركان الدولة، والتشكيك في القضاء، وأخيرًا محاولة الوقيعة بين الشعب والجيش، فضلاً عن معلومات حول تورُّط بعض العناصر في التنسيق مع جهات خارجية للتدخل الأجنبي، وسيتم الإعلان عن نتائج التحقيقات، فضلاً عن اتخاذ الإجراءات القانونية بكل حزم، وشدد على التزام القوات المسلحة بأقصى درجات ضبط النفس، واستخدام أساليب قانونية لفضِّ الشغب دون استخدام القوة وحماية عناصر الجيش من الاصطدام بالأهالي.
وقبل أن يسرد اللواء حجازي تفاصيل الأحداث أمام مبنى ماسبيرو، الأحد الماضي، أكد أن مبنى الإذاعة والتليفزيون هو أحد أهم الأهداف الإستراتيجية وملك الشعب كله، ورمز إرادته، ولا يجب ولا يصح أن يكون في دولة ما تعبير فئة ما عن مطلب فئوي باقتحام أو تعطيل مرافق الدولة؛ لأنها ملك لكل الشعب، وهذا الأسلوب يجب ألا يكون في دولة يسودها القانون.
وأشار إلى أنه بالنسبة لأفراد الجيش المسئولين عن تأمين مبنى ماسبيرو عددهم لا يتجاوز 300 فرد، وهم مسلحون بمعدات مقاومة الشغب وبعض الذخائر "الفشنك"، ولا يوجد ذخائر حية مع الجنود، وهو مبدأ ومنهج منذ بداية الثورة؛ ألا يرفع سلاح أو تطلق رصاصة في صدر مواطن مصري، وعناصر القوات المسلحة أمام ماسبيرو مهمتهم تأمين المتظاهرين وتسيهل حركة المرور بالتعاون مع الشرطة المدنية.
ثم بدأ بسرد الأحداث منذ الرابعة عصر يوم الأحد؛ حيث تجمع 1600 قبطي من شبرا، وصاحب هذا التجمع بعض عمليات التحريض من قبل شخصيات عامة ورجال دين مسيحي، ومن ضمنها دعوة صريحة للتحرك إلى ماسبيرو.
ثم تمَّ عرض فيديو لقيادات قبطية تحرّض المسيحيين على الخروج "بمسيرة لم ترها مصر من قبل، تبدأ من دوران شبرا وسنختم مسيرتنا جوه ماسبيرو وهيكون معنا عناصر ليبرالية محترمة وحركة 6 أبريل".
ثم تمَّ عرض فيديو آخر يُظهر مسئولاً كنسيًّا آخر، وهو يقول في المظاهرة: "المحافظ لو لم يقدم استقالته سيموت موتة شنيعة.. أقول للمشير: حل المشكلة بسرعة أحسن"، وقال قبطي آخر: "عايز أقول لسيادة المشير: اشمعنا قانون ترخيص بناء دور العبادة يطبَّق على الكنائس فقط"، وطالب آخر بكوتة للأقباط لا تقل عن 140 قبطيًّا في مجلس الشعب".
ثم صرخ أحد الصحفيين الأقباط في المؤتمر، مؤكدًا أن هذا الأنبا الذي يتحدث مشلوح من الكنيسة، وتساءل بصوت مرتفع: "لماذا الإصرار على عرض كلامه.. هذا توجيه للأحداث".
وقال اللواء حجازي: إن هذه المقاطع تُثبت مدى التحريض على تهديد ماسبيرو، ولفت إلى أنه على الجانب الآخر تجمع 500 قبطي في شكل حضاري، وأثنى على رجال الدين المسيحي الذين قادوا تلك المظاهرة.
ولفت إلى أن عدد المتظاهرين في الساعة السادسة حوالي 6 آلاف فرد، وفي الإسكندرية 3500 فرد أمام المنطقة الشمالية العسكرية، وفي أسيوط تجمع 200 فرد أمام المحافظة، وفي الأقصر وقنا تجمع نحو 300 فرد.
كما ثبت أن جزءًا من المتظاهرين في ماسبيرو يحملون السيوف وأعمدة خشبية وأنابيب بوتاجاز، وهو ما يفسر الحرائق التي نشبت في عربات القوات المسلحة ومدرَّعاتهم.. هذه المظاهر لا تدل على أن المظاهرات سلمية.
وتم عرض فيديو لأفراد التأمين أمام مبنى ماسبيرو، يوضح عدم حمل أسلحة نارية، مع تزايد في الدراجات البخارية لأفراد مدنيين في الساعة السابعة إلا ربعًا، وهو التوقيت الذي بدأت فيه مركبات القوات المسلحة، ثم علق بقوله: "قد يدَّعي البعض كلامًا غريبًا أن القوات المسلحة هي التي أحرقت هذه المركبات".
ثم تدخل بعض المتظاهرين ضد أفراد القوات المسلحة بعنف لم تشهده مصر من قبل، ولا يمكن أن يكون مصريًّا الذي يُحدث إصابات مع مواطن مصري آخر؛ حيث تمَّ إلقاء الحجارة على المجنَّدين الموجودين داخل مركبات القوات المسلحة، ولو كان معهم ذخائر لم يستطع أحد الاقتراب من هذه المركبات.
وحول دهس مركبات القوات المسلحة للمتظاهرين قال حجازي: إن فكرة الدهس غير موجودة في قاموس القوات المسلحة؛ ما أثار حفيظة صحفي قبطي موجود بالمؤتمر، والذي قال بصوت عالٍ: "أنا شاهد عيان على الدهس يا فندم"، فانفعل اللواء إسماعيل عتمان الذي كان جالسًا في الصف الأول بالقاعة، وقال له: "لو سمحت، ما تتكلمش.. بعد المؤتمر اسأل، هنا فيه انضباط".
ثم استأنف حجازي كلامه، مؤكدًا أنه لم ينسب للقوات المسلحة أنها دهست أحدًا حتى في قتالها مع العدو، ولفت إلى أن المركبة كانت تحترق والجنود بداخلها، وقال: "عايز حد عنده منطق يتخيل هذه المسألة، أخوك مواطن مصري موجود بالعربة وهي تحترق ويلقى عليهم الحجارة.. عيب أن يقال إن دهس المتظاهرين نهج القوات المسلحة"، مشيرًا إلى أن أحد الجنود الذي كان سائق هذه المركبة وأصيب على يد المتظاهرين انفعل، فقرَّر أن يسير بالمركبة بسرعة كبيرة للهروب، فأصاب عددًا من الموجودين في طريق المدرعة.
ثم تمَّ عرض فيديو يقوم فيه متظاهرون بإلقاء الحجارة على الجنود وإشعال النيران في معدات القوات المسلحة، وعلَّق اللواء حجازي بقوله: "هذه اللقطة لم تسجَّل في التاريخ حتى في حروبنا مع العدو"، ثم تمَّ عرض لقطات لاعتداء المتظاهرين على أحد المجندين الذي سقط أرضًا وهو يجري هربًا من الاعتداءات، وتساءل اللواء حجازي: "ماذا لو كان هذا الجندي مسلحًا بالذخيرة الحية؟!".
من جانبه قال اللواء عادل عمارة: "أتحدث عن الثوابت التي تحدد تصرف القوات المسلحة؛ أولها أن الشعب المصري بالنسبة لنا هو كل إنسان يعيش على الأرض المصرية، أيًّا كان دينه أو لونه أو جنسه، له كل الحقوق وعليه كل الواجبات".
الثابت الثاني أن أقباط مصر ليسوا فئةً طارئةً على المجتمع؛ لكنهم جزءٌ من نسيج المجتمع ويؤكده التاريخ ولا ينكر هذا أحد.
الثابت الثالث أن جميع المصريين هم مواطنون، عليهم الحقوق والواجبات، أيًّا كان اللون والدين والجنس وكل شيء.
الثابت الرابع أن شعب مصر قوته في توحده، والمقصود هو توحد جميع عناصر المجتمع وأطيافه بكل جوانبه، والعكس صحيح؛ فمصر لم تكن في يوم من الأيام أحوج إلى جهود رجالها وتوحدها أكثر مما هي فيه الآن، كما أن القوات المسلحة هي ملك للشعب بجميع أطيافه، مسلميه ومسيحييه، وكل أجناسه، وأن نسيج القوات المسلحة من نسيج الشعب بمسليمه ومسيحييه.
تراب مصر ارتوى بدماء الشهداء من القوات المسلحة، ومنهم الأقباط، وأقدم شهيد وأولهم في حرب 73 الشهيد شفيق متري.
كما أن ثورة 25 يناير قدمت نموذجًا في هذا المجال، وأذكِّركم بالمسلمين الذين صلوا في حراسة المسيحيين، والشاب المسلم الذي كان يتوضأ وتصبُّ عليه ماء الوضوء فتاة مسيحية، والمسيحيون يقيمون قداسهم في ميدان التحرير في حماية المسلمين.
وواصل عمارة: "أتساءل: أين هؤلاء الشباب الذين قاموا بعمل نموذج للتوحد في العالم كله؟! مؤكدًا أن الثورة لها أعداء تعمل على إجهاضها، نحن لا نعتقد في نظريات المؤامرة، لكن التاريخ أثبت وجود متآمرين، والثورة لها أعداء بالفعل ومحاور عملهم: إما التشكيك في قيادات الفترة الانتقالية أو تأجُّج الفتنة الطائفية أو إشاعة الفوضى من خلال انفلات أمني أو إحداث وقيعة بين الشعب وقواته المسلحة أو فئات المجتمع، فنحن نرفضه، وندرك هذا ونحذر منه.
الثابت الآخر أن مساحة التوافق بين المسلمين والمسيحيين كبيرة جدًّا، ويعلم ذلك جيدًا كل رجال الدين من الطائفتين.
كما أن عناصر تأمين القوات المسلحة لها مهام واجبة التنفيذ، وهذه العناصر تنفِّذ مهمتها، وليس لها أي أجندات غير تحقيق التأمين، ويجب أن يكون هذا محل احترام الجميع.
إن أفراد القوات المسلحة الشرفاء الآن تؤمِّن الحدود، والأهداف الحيوية جاهزة للتضحية بالنفس من أجل هذا البلد، ليس من المعقول أن يقابل هذا العطاء بالجحود أو التعدي على أفراد القوات المسلحة.
كما أن القوات المسلحة تعي المخاطر ومخططات أعداء الثورة؛ لكنها ماضيةٌ قُدمًا في تحقيق أهداف الثورة في إقامة انتخابات برلمانية شفافة لأول مرة في تاريخ مصر، وعمل دستور يليق بمصر، وأن تأتي برئيس جمهورية ينتخبه الشعب انتخابًا حرًّا ونزيهًا.
الثابت الآخر أن هناك أعداء للوطن، يتخذون من حالة التظاهر فرصةً للاندساس لتحقيق أهداف هدامة؛ مما قد يتطلب منا جميعًا اتخاذ الحيطة؛ حفاظًا على مصلحة الوطن.
وأكد عضو المجلس العسكري أن كل هذ الوقائع في إجراءات ومحل تحقيق أمام المحاكم، وقال: "نحن أمام حقائق، فهناك مواطنون فقدوا حياتهم وعناصر للشرطة العسكرية لم تطلق النيران اتساقًا مع عقائدها التي غرستها فيهم قادة القوات المسلحة، وهي أنه لا يمكن توجيه النيران إلى الشعب، ولا يوجد ما يبرر هذا، وأن الأوامر التي صدرت صريحة بأن تلتزم عناصر الجيش أقصى درجات ضبط النفس، كما أن عناصر التأمين غير مسلحة بذخائر، وذلك ليقيننا بأنه لا يوجد على أرض مصر كلها من يستطيع توجيه النيران أو الاعتداء على أفراد القوات المسلحة.
وواصل: "نحن نعي أننا أمام موقف يمكن توصيفه بأنه مرحلة ينتفض فيها الشعب من نظام رفضه إلى نظام يطلبه، وقد تعهَّدت القوات المسلحة بحماية الشعب، وليس أداةً لقهره، وشدَّد على أن نجاح مهمة القوات المسلحة هي في حماية الشعب وليس في قتله، ولكنها قد تضطر إلى استخدام الحزم وتطبيق صحيح القانون في مواجهة أعداء هذا الشعب، كما أن سلاح القوات المسلحة يختلف عن غيره من التسليح؛ حيث يستخدم للقتل وليس للتأمين، ولو تمَّ استخدام هذا السلاح أو سمحنا باستخدامه لكانت العواقب كارثية، لكن ذلك لم ولن يحدث، وتم ذلك من خلال ضبط وربط عاليين، والقدرة على ضبط المشاعر، ولا يجب أن يُساء الفهم أو يشجّع هذا أفراد أو جماعات ضالة على أن تعبث بأمن البلاد.
وأخيرًا.. فإن القوات المسلحة ليست طرفًا يعادي أحدًا، ولكنها مؤسسة مصرية وطنية شريفة، تعهَّدت بتحمُّل المسئولية، ومن يزايد على هذا فعليه أن يراجع موقفه الوطني.