رسالة الأسبوع :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ومن والاه، وبعد..
لا شك أننا نمرُّ في مصرنا الحبيبة بمرحلة من أخطر مراحل نضالنا؛ في سبيل نصرة الحق، وإقامة دولة العدل والحرية والمساواة، والتحرر من قيود الظلم والذل؛ التي كبَّلتها وأخَّرتها وأنزلتها من منزلة الريادة والقيادة للعالم العربي والإسلامي.
ولا شك أن قوى عاتية ظالمة، داخلية وخارجية، تحارب معركتها الأخيرة لإجهاض الثورة أو تعويقها لمنع الأمل المشرق من الظهور؛ لأن في نهضة مصر نهايةً لجبروتهم وسيطرتهم على المنطقة العربية بأسرها.
ومن ثمَّ فإن قلق المخلصين من أبناء شعبنا الكريم- على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم- أمرٌ طبيعي ومبرر لشدَّة حرصهم على ألا تُجهَض الثورة في مهدها أو تعوَّق نتائجها من الظهور والتحقيق في أرض الواقع، فتضيع جهود المخلصين سُدىً وتذهب دماء الشهداء هباءً.
وعلينا أن نعي وندرك أن:
- عدوَّنا الأساسيَّ هو المشروع الصهيوأمريكي والذي يسعى للسيطرة على المنطقة كلها لإقامة "إسرائيل" الكبرى والشرق الأوسط الجديد، وهؤلاء كانوا يعتبرون النظام البائد (كنزًا إستراتيجيًّا) ضامنًا لمصالحهم ومُعينًا لهم في تحقيق أهدافهم الخبيثة، وهؤلاء لن يسلِّموا بسهولة وسيبذلون قصارى جهدهم- وعن طريق عملائهم- لإعاقة مسيرة الثورة وإجهاض نتائجها وإحباط شبابها.
- عدونا الداخلي هم فلول الحزب الوطني البائد وبقايا النظم البوليسية المنحلة والمرجفون في أجهزة الإعلام التي لم تتطهَّر بعد، والعملاء المرتزقون، وغلاة العلمانية وأصحاب المشروع الغربي؛ الذين لا يسعدهم أن تنحاز الجماهير الثائرة لانتمائها الأصيل وتمسكها بهويتها ورسالتها وقيمها وأخلاقها.
- هناك من يتخوَّف من اختطاف الثورة أو تقليص مكاسبها أو التسويف والتأجيل في خطواتها، عن طريق (المجلس العسكري) واستمراره في السلطة لأجل غير مسمَّى، ويحذرون من أحداث مماثلة حدثت في مصر عام 1954م، وأدت إلى استمرار الحكم الديكتاتوري لأكثر من خمسين سنة.
- ورغمًا عن كل هذه المعوقات والمخاوف وموجبات القلق فإن هناك مبشراتٍ بالأمل، ومُفَنّدات لليأس ينبغي أن توضع في المقابل وهي:
1- نصر الله الذي تحقق في فترة قصيرة؛ بما يشبه المعجزات، من الإطاحة برأس النظام، وإزاحة الوريث، والخلاص من الحزب الوطني، وتفكيك جهاز أمن الدولة، وحل المجالس المحلية، ومجلسي الشعب والشورى، وهذه كانت من مقومات الفساد والتخلف، فالخلاص منها رحمة ونصر لجهاد الشعب المصري الأصيل، ولا بد من أن نردَّ الفضل لصاحب الفضل
(قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا ومِن كُلِّ كَرْبٍ) (الأنعام: 64) (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40). 2- القوى العالمية من صهيونية وأمريكية تتوالى عليها الهزائم والانتكاسات، بدءًا من عزلة "إسرائيل" وفقدها الكثير من مناصريها في المنطقة، والإخفاقات الأمريكية في المجال العسكري (في العراق وأفغانستان)، والمجال الاقتصادي الذي يهدد بانهيار النظام الرأسمالي؛ نتيجة للسياسات الفاشلة، والإنفاق الهائل في حروب مدعاة للقضاء على ما يسمونه بالإرهاب؛ ففقدت مصداقيتها لدى الشعوب، وتفقد الآن ثرواتها ولا نستبعد أن يكون مصيرها كمصير الاتحاد السوفيتي الذي انهار نتيجة العلوّ في الأرض والظلم والاستبداد
(وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴿١٠٢﴾) (هود).
وفي المقابل فإن الثورات المباركة في الربيع العربي تبشر بتغيير كامل في خريطة الأمة العربية تحرر شعوبها وتحطم القيود أمام فجر قادم ونصر وشيك.
3- أما المخاوف من فلول النظام السابق وأذنابهم والمستفيدين منهم؛ فهؤلاء جميعًا قد خذلهم وأخزاهم الله، ونالوا مقت الشعب كله الذي عرف- عن يقين- كيف كانوا سُرَّاق الشعب وناهبي أمواله ومبدِّدي مصالحه وخائني أمانته ومسلِّميه إلى الأعداء الخارجيين، لقاء مصالحهم الدنيئة وأنانيتهم المفرطة، ويكفي ما أضاعوه من فرص النهضة وما سرقوه من مليارات يصعب حصرها وقد هرَّبوها بكاملها خارج البلاد، وكل إنسان يربط نفسه بأساليب النظام البائد سيسقط فورًا من عين الشعب ولن يُقبل بحالٍ من الأحوال مهما حاول التلوُّن وتغيير الثياب والهويَّة.
4- أما المجلس العسكري- مع احترامنا وتقديرنا لرجاله- فقد مثلوا الجيش بحمايته للثورة، ويُحمد له أن وقف على الحياد في أول الأمر، ثم انحاز إلى خيار الشعب بعد ذلك، ثم إنه أعلن مرارًا وتكرارًا أنه لا يرغب في البقاء في السلطة، بل يريد العودة إلى ثكناته لدوره الأصيل في حماية الحدود وتأمين الوطن، ونأمل أن يفي بالوعود.
إذن فالشعب المصري الأصيل هو صاحب الثورة، ومالك الحاضر والمستقبل، وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في شئون الوطن، والشعب الذي قدم دماءه لن يفرط في هذه الدماء، ولن يخون أرواح الشهداء الذين ذهبوا فداءً لحريته وثمنًا لكرامته، ولن يعيد العجلة إلى الوراء أو يُسلم مقاليده مرةً أخرى لمن أذاقوه الذل وساموه العذاب.
وما ينبغي أن نركِّز عليه الآن هو الإسراع والتصميم على تحقيق أهداف الثورة؛ بإقامة نظام حكم رشيد، تكون الكلمة الأولى والأخيرة فيه للشعب الأصيل، عن طريق مجلس حقيقي يمثل الشعب تمثيلاً حقيقيًّا، ويكون هو صاحب الأمر والنهي فيختار الحكومة ويراقبها ويُرشِّدها.. مجلس نيابي يخافه الحاكم ويعمل له ألف حساب، بل يأتمر بأمره ويحقق آماله وأحلامه، ولا يكون ذلك إلا بوضع دستور جديد للبلاد يعبِّر عن هويَّتها وأصالتها وينظم العلاقات بين الحاكم والمحكوم، ويضمن الحقوق لجميع المواطنين على السواء، ويضمن سير الأمة كلها في طريق الرقي والنهوض والتقدم.
إن القلق المشروع هو الذي يدعو إلى اليقظة والحذر والانتباه لتحقيق الأهداف ودحر الأعداء مهما كانوا داخليًّا وخارجيًّا، وعدم الرضا بالحياد عن الهدف أو البطء والتسويف فيه.
أما القلق المَرَضيّ الذي يدعو إلى اليأس والقنوط والتسليم للعدو والتهاون أمام العقبات؛ فقد نُهينا عنه شرعًا..
(إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٧﴾) (يوسف).
ومهما تكالبت الفتن وتتابعت الخطوب فاعتصامنا بالله واتحاد صفوفنا جميعًا هو الضمان الأساسي لتحقيق النصر..
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: من الآية 103)، (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال: من الآية 46).. (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّـهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴿٧٨﴾) (الحج).والله أكبر ولله الحمد.