ا
سورة الكهف .. منهجيات في الإصلاح والتغيير
التدرج من الاستضعاف إلى الحوار ومنهما إلى التمكين 2/2
ا.د. صلاح الدين سلطان
نستطيع استخلاص منهجية التدرج في الإصلاح والتغيير التي اشتملت عليها سورة الكهف من خلال هذا المنحنى :[img]
[/img]
وإذا دققنا النظر في هذا المنحنى الصاعد فلا بد من ملاحظة ما يلي:-
1- يجوز لمن يتعرض للقهر والظلم والاعتقال والفصل والعزل والطرد والتشويه للسمعة والأذى في الأهل والمال والولد يجوز أن يأخذ موقف أصحاب الكهف في منهجية: }وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا{(الكهف: 19)،ويكون المسئول الأول والحقيقي عن دفع هؤلاء إلى التخفي، واللجوء إلى كهف العمل السري هم هؤلاء الظلمة سواء كانوا أنظمة أو سلطات أو هيئات أو غيرها، ولا يجوز توجيه اللوم لهؤلاء الفتية الذين اختفوا بعد هذا التهديد والوعيد: }إنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا{(الكهف: 20)، بل يوجه اللوم إلى من وصفهم الشاعر بقوله:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له**إياك إياك أن تبتل بالماءومهما بذلت الأنظمة في تشويههم إعلامياً فإن هذا يضاعف التعاطف معهم؛ لأن أي إنسان يتعاطف مع المظلوم سراً أو جهرا ، وهذا هو الذي اضطر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى أن يأتي إلى دار الأرقم، وتحرك بدعوته بين الأفراد والقبائل سرا ، وكان أبو بكر –رضي الله عنه- يتخفى بصلاته في بيته ، وكانت أم أيمن –رضي الله عنها- تتحرك بين نساء مكة داعية بسرية تامة ، وتحسس أبو ذر tأخبار النبي الجديد فأرسل أخاه، فلم يشف عليله ولم يرو غليله ، فذهب بنفسه ورآه علي t فأخذه إلى دار الأرقم بخطة سرية لا يحس بها أهل مكة ، هنا يقع اللوم على كفار مكة وليس على سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- أو صحبه الكرام .إطلاق الحريات
ولا حل لهذه الحالة سوى إطلاق الحريات ورفع القيود ، وتخفيف المعاناة ، وإنصاف المظلومين ، ورعاية المقهورين ، وعودة المفصولين ، وإعطاء الحقوق المدنية في الانتخابات والترشيح للموقوفين ، وإلا فنحن ندفع بالعمل السري الذي لا يستطيع أحد أن يعرف : -
ü ما هي الأفكار التي تدرس من أعضاء التنظيم السري؟
ü حجم الكراهية للمجتمع والسلطة التي تبث لأعضاء التنظيم؟ لأنهم فعلاً مقهورون!
ü ما هي الخطط التي يعدها هؤلاء لإصلاح أو إفساد المجتمع؟
ü ما مدى قوة هذا التنظيم عدداً وعدة؟
ü ما المتوقع أن يحدث منهم؟
ü هل يمكن تصويب الأخطاء ؟
ü هل يكون تصحيح المسار من داخل التنظيم أو خارجه؟
وهي مخاطر على الدولة والسلطة الظالمة أن تتحمل مسؤوليتها في تهيج المجتمع ، وترويع الآمنين من خلال بعض جماعات العنف التي استساغت العمل السري بسبب قهرهم وظلمهم .-لا يجوز بأي حال اللجوء إلى العمل السري إذا كانت الحريات متاحة، والحقوق مصانة، وحق الانتخابات والترشيح مكفولا ، وحق تكوين الجماعات والأحزاب والمنظمات والاعتراض والتظاهر والاعتصام ــ بضوابط قانونية تمنع الإفساد في البلد ــ وحق التعليم والتوظيف ، والمحاكم العادلة، والإنصاف عند المظلمة، لأن هذه هي حالة قصة الصاحبين، وهنا لا يجوز للأفراد والجماعات والهيئات أن تعتزل وتختفي تحت الأرض أو تظن أنها صارت دولة داخل الدولة ، وسلطة داخل السلطة، بل يجب أن تحدد صلاحياتها في حدود أنها جماعة أو هيئة وليست دولة ، ولا يجوز هنا تعيين القضاة ، وإقامة الحدود داخل الجماعة أو الهيئة ، ولا تأمر بالمعروف أو تنهى عن المنكر إلا من خلال نافذة الحوار؛ لأنها هي النهج الوحيد الصحيح ، ولابد أن يكون هذا الحوار في أرفع درجات الارتقاء عن السباب والقذف واللعن والاتهام دون أدلة ولعل أرقى مستوى يلتقي عليه المتحاورون هو قوله تعالى: }وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ{(سبأ: 24)،وقوله تعالى: }ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ{(النحل: 125)، وروى مسلم بسنده عن عائشة –رضي الله عنها- قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ»(صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق: 16/125).
هذه المرحلة هي التحدي الأكبر للغيورين على الإسلام أن يتأهلوا على النحو التالي : -
ü دراسة الإسلام بأبعاده كلها العقدية والخلقية والتشريعية في العبادات والمعاملات.
ü دراسة المجتمع الذي يتحركون فيه من حيث التاريخ والواقع والتحديات والآلام والآمال، والقوانين ذات العلاقة وعناصر القوة والضعف والفرص والتهديدات .
ü دراسة أرقى الوسائل المتنوعة للوصول لجميع شرائح المجتمع.
ويلزم هنا أن يكون هناك سقف واضح وهو عدم جواز استخدام القوة للإصلاح والتغيير مع الأفراد والجماعات والدولة مهما كان حجم الفساد .
- إذا أتيحت للإنسان سلطة في بيئته وأسرته ، أو مدرسته وجامعته ، أو مؤسسته وشركته ، أو وزارته وهيئته، أو حكومته ودولته ، لابد أن يرتقي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من دائرة القول إلى العمل، ومن الحوار إلى استخدام القوة والسلطة والصلاحية في الإصلاح والتغيير، ولا نكتفي بالشجب والبيانات والإدانات لأن هذه فقط للجماعات والهيئات ، وليست لذوي السلطة والصلاحيات ، وهكذا فعل ذو القرنين حيث قال: }أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا . وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى{(الكهف:87-88)، ومنع ظلم يأجوج ومأجوج بالقوة المتاحة له .
ومن هنا كما لا يُقبل بأن توجد جماعات تتعامل كأنها دولة ذات سيادة داخل الدولة، فلا يُقبل أيضاً أن تتعامل الدول مع المظالم العالمية كأنها جماعات مستضعفة في النظام العالمي الجديد .
ولابد هنا من شيء من التفصيل:
ü لا يجوز لطالب في الفصل أن يعاقب طالبا أساء إلى طالب آخر، أو أستاذ قصر في واجباته ، لكن هذا ما يجب أن يفعله المدرس أو إدارة الفصل، أو المدرسة عندما يسيء طالب أو أستاذ .
ü لا يصح لرجل أن يفرض على امرأة متبرجة في الطريق أو زميلته في العمل لبس الحجاب، فإن هذا واجب على وليها زوجاً أو أباً أو أخاً بأن يقنعها بالحجاب قولاً ، وأن يلزمها به فعلاً .
ü لا يجوز لطالب أن يمنع طالبة أن تجلس إلى جوار زميلها في احتكاك لا يجوز في الفصل الدراسي أو غيره، فإن هذا واجب على الأستاذ المعلم أو مدير المدرسة أو عميد الكلية أو المعهد أو رئيس الجامعة، وأن واجب الطالب فقط هو النصح والإرشاد مثل الصاحبين .
ü لا يستطيع الابن سوى نصح أبيه برفق أن يترك الربا والغصب أو السرقة والاختلاس ، لكن الأب ملزم بأن يطلب من ابنه ترك الربا أو الغصب أو السرقة.
ü يجوز للشركات والهيئات والجماعات أن ينص نظامها الأساسي على حل الخلافات عن طريق التحكيم الشرعي، بينما لا يجوز لهم تنصيب القضاة للفصل في الخصومات، أو تعيين الشرطة لتنفيذ الأحكام؛ لأن هذا مما تختص الدولة به إن قامت به أُجِرت، وإن لم تفعل أثم القائمون عليها.
هذه بعض أمثلة من واقعنا اليومي تساهم في بيان منهجية التدرج في الإصلاح والتغيير من خلال قصص سورة الكهف .
ولعل هذه الرسومات توضح تغير منهجية الإصلاح وفقاً لموازين القوة، وكيف أن التزام هذه المنهجية يؤدي إلى مضاعفة قوة الحق، وإضعاف الباطل
[img][URL=http://arabsh.com/jfwabia1t4fn.html]
[/URL[/img]